Salaam. This text from Shaykh Abdul Wahid:

حول الاحتفال بالمولد النبوي:


ركز معي، وحاول أن لا تمل، وهي خمس نقاط:

أولا: لا فرق صحيح بين تخصيص يوم المولد بدرس السيرة والشمائل، وتخصيص يوم أسبوعيا أو شهريا بدرس آخر أو مؤتمر أو ملتقى. هذا محل بحثنا..

وقد يزيد بعضهم: الصومَ وإطعام الطعام ونحوهما، فيجعلون لهذا اليوم في نفسه مزية تفعل فيه هذه العبادات.. ولهم عُلقة حسنة بأدلة؛ كصوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين؛ فقد علله بأنه يوم ولد فيه. وكذا ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلّم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى.. وقد أخذ منه الحافظ ابن حجر مشروعية فعل الشكر لله على ما منّ به في يوم معين؛ من إسداء نعمة أو دفع نقمة، وأن ذلك يعاد في نظير ذلك اليوم من كل سنة. والشكر لله يحصل بأنواع العبادة؛ كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة. قال ابن حجر: وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي؛ نبي الرحمة في ذلك اليوم! قال: وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء. انتهى.

وقد يخرج بعض ذلك أيضا على قصة ثويبة مولاة أبي لهب.

ثانيا: وأما تخصيص هذا اليوم بعبادة معينة لاعتقاد ثبوتها فيه بلا دليل= فهذا بدعة، كأن ألزم الناس دائما إلزاما عاما بقراءة سورة معينة في يوم معين، فهذه تشبه تكبيرات العيد في أيام العيد، وصلاة العيد، والنحر، فهذه شعائر معينة خصت بزمان معين؛ إما وجوبا أو استحبابا مؤكدا لكافة المسلمين، فما كان على هذا المنوال فهو عيد شرعي، وعلى هذا فقس. فكل اعتقاد خصوصية لعمل في زمان ما أو مكان ما= بلا دليل؛ فهو بدعة مذمومة. وليس نفس إيقاع العمل في زمان ما أو مكان ما= بدعة. وما من مطلق إلا ويقع في الخارج مقيدا، فالقول الشائع عند سلفيي زماننا ببدعية التقييد= مشكل في التصور أصلا، ومسألة البدعة الإضافية عموما بحاجة لتحرير وسعة أفق. واعتقاد فضيلة الخصوصية = خارج عن محل النزاع.

وحينئذ فلا فرق بين الاجتماع في يوم المولد للكلام على السيرة، وبين فعل ذلك في غزوة بدر، وليلة الإسراء، بل وكل درس علمي حُدد له وقت معين.

ولا تكرِّر: أن في ذلك اعتقاد الخصوصية بلا دليل؛ لأنه ليس مرادا لي أصلا، وقد بينت الفرق.

ثالثا: واعلم أنه لا بحث لنا فيما يصاحب الاحتفال من منكرات؛ من غلو واختلاط وغيرهما. فهذه منكرات منفكة عن قضية المولد، حتى وإن كثر وقوعها فيها. فما ذكرته أولا = الخلاف فيه سائغ. وغيره = لا.

فيكون الخلاف في المولد النبوي -بالمعنى الذي حددته- بين شرعيته وبدعيته= سائغا للطرفين، تتجاذبه الأصول المرعية. وكل ما يشنع به المبدِّعونه من منكرات تقع= خارج عن محل النزاع في الأصل. وتضخم المسألة والإعنات الواقع من طرفيها= أثَرُ مناكفات أيديولوجية وإشكالات نفسية.

والحق: أن الخلاف في شرعية المولد النبوي يصلح مثالا للمسائل التي ضخمها الخلاف السلفي الصوفي عند المتأخرين والمعاصرين، وأخرجها عن سياقها المعتاد عند أهل العلم في مثلها، ومعظم الردود والمبالغات في غير محل النزاع! والحال أن المولد من حيث هو اجتماع أناس في يوم ما لتذكر السيرة النبوية والتذكير بها؛ سواء في درس أو مؤتمر أو نحو ذلك، وقد يصحب ذلك إطعام الطعام = الخلاف فيه سائغ جدا، وله نظائر عند من يبدعه، يلزمه تبديعها، وإلا كان متحكما.

ملحوظة مكررة: لا تحدثني عن أمر خارج محل الكلام؛ كالغلو، والاختلاط، والإسراف. ولا بد من التفريق بين أصل الاحتفال الذي بينته، وما يحصل معه من منكرات كثيرا. وهذا التفريق مهم في الجانب النظري، ومهم في تاليف القلوب وجمع الكلمة. وقول من قال: لا يخلو المولد من منكرات = غير صحيح؛ بل يخلو أحيانا، ولو فُرض عدم خلوه؛ فليس ذلك مانعا من بيان حكمه عند التجرد عنها.

رابعا: واعلم أنه حتى مع القول بالبدعية؛ قد يؤجر المحتفل لحسن قصده، ولا علاقة لهذا برد العمل لكونه بدعة، فالثواب على القصد لا على العمل، فالجهة منفكة، لأن الثواب على العمل من حيث هو؛ لا بد فيه من إخلاص ومتابعة، وأما الثواب لأمر خارج عن ذات العمل= فلا ينافيه وقوع العمل على وجه مبتدع لتأول. وقد نص على هذا المعنى هنا شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: "فتعظيم اﻟﻤﻮﻟﺪ، ﻭاﺗﺨﺎﺫﻩ ﻣﻮﺳﻤﺎ، ﻗﺪ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﺃﺟﺮ ﻋﻈﻴﻢ؛ ﻟﺤﺴﻦ ﻗﺼﺪﻩ، ﻭﺗﻌﻈﻴﻤﻪ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ". وهذا يغفله كثير ممن ينكر في هذه المسألة وغيرها من المسائل التي يكون الحامل لكثير عليها تعظيم النبي ﷺ أو أهل بيته أو الصالحين، ونحو ذلك، فقد يؤدي إنكاره بلا تفصيل وبلا استيعاب لنفسية العوام القائمين بها؛ إلى منكرات أشد أو صدود وعناد. فنهي القائم بهذا الاحتفال على وجه يعتقد الناهي كونه بدعة، بما يؤدي إلى تفويت ما فيه من مصلحة بلا بديل شرعي؛ بل قد ينشغل بمحرم = ليس مشروعا. وقد نبه على هذا المعنى أيضا ابن تيمية. ذلك أن النفوس قد خلقت لتعمل لا لتترك، فإن لم يشتغل العبد بعمل صالح، وإلا لم يترك العمل السيء أو الناقص، وقد يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد.

ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار؟رفقال: دعه، فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب. مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة! وقصد الإمام: أن هذا العمل فيه مصلحة وفيه أيضا مفسدة كره لأجلها. فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا، وإلا اعتاضوا الفساد الذي لا صلاح فيه؛ مثل: أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور. قال ابن تيمية: "فمن تعبد ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة؛ كالوصال في الصيام وترك جنس الشهوات ونحو ذلك، أو قصد إحياء ليال لا خصوص لها كأول ليلة من رجب ونحو ذلك = قد يكون حاله خيرا من حال البطال الذي ليس فيه حرص على عبادة الله وطاعته؛ بل كثير من هؤلاء الذين ينكرون هذه الأشياء = زاهدون في جنس عبادة الله من العلم النافع والعمل الصالح أو في أحدهما، لا يحبونها ولا يرغبون فيها، لكن لا يمكنهم ذلك في المشروع فيصرفون قوتهم إلى هذه الأشياء، فهم بأحوالهم منكرون للمشروع وغير المشروع، وبأقوالهم لا يمكنهم إلا إنكار غير المشروع"! وللأسف فواقع كثير ممن ينهون عن درس السيرة في هذا اليوم؛ أنهم لا يقرؤونها في غيره، والأمة في معظمها في غفلة عن هذا، فنهي الناس عن وقوع هذا في يوم المولد بلا تعظيم منهم لهذا اليوم بخصوصه واعتقاد خصوصية فيه لهذا= خطأ، وهو من جنس نهيهم عن درس علم اقتضته الحاجة.

خامسا: ليس لي غرض فاضل هنا في بيان رأيي في هذه المسألة، أو أن أنتصر للقول بمشروعية هذا الاحتفال، أو أدعو إليه، ولا يعنيني أن تقلد من قال بهذا أو هذا، إنما يعنيني بناء الأقوال بناء صحيحا محكما، وبيان محل السواغية في هذا الخلاف الذي ضخمه بعض الطائفتين لعوامل عديدة، والتبني العلمي للأقوال، وتحرير محل النزاع، وعدم الإنكار في الخلاف السائغ، وهو: (ما لم يخالف نصا صحيحا صريحا، ولا إجماعا منعقدا، ولا قياسا جليا). وما نحن فيه من هذا القبيل. ولا منافاة بين سواغية الخلاف والتبديع، وبالتالي لا إشكال أن ترى بدعية الاحتفال بالمولد مثلا؛ ثم لا تنكر على من يرى الجواز. ومثاله القريب: بدعية قنوت الفجر عند الحنابلة والحنفية وجماعات من الفقهاء، ثم مذهبنا: عدم الإنكار؛ بل يشرع التأمين خلف الإمام إن قنت!

وهذا المثال مقصود عندي لأمور غير ما نحن فيه: منها: أن البدع الشرعية ليست كلها حراما؛ بل منها ما هو مكروه، وأمثلته كثيرة. وكما أختلف مع من ينكر في هذه المسألة إذا كانت بهذه القيود= فأنا أنكر بشدة على من يرمي من رأى البدعية - حتى لو اشتد إنكاره - بأنه لا يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم قدره، أو يجفوه، ونحو ذلك، وهذا بغي وافتراء وبهتان عظيم.

submitted by /u/AlKhalwati
[link] [comments]

from Islam https://ift.tt/36OSUWX
Share To:

Unknown

Post A Comment:

0 comments so far,add yours